فصل: فَصْلٌ: فِي مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: فِي مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ:

وَالْكَلَامُ فِي مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ يَدُورُ عَلَى أُصُولٍ، مِنْهَا أَنَّ السَّجْدَةَ الْأَخِيرَةَ إذَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا وَقُضِيَتْ الْتَحَقَتْ بِمَحَلِّهَا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْقَضَاءِ وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا تَرَدَّدَتْ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ فَالْحُكْمُ بِالْفَسَادِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ لِلْجَوَازِ وُجُوهٌ وَلِلْفَسَادِ وَجْهٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيمَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ إعَادَةَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ مَا عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا أَنَّ السَّجْدَةَ الْمُؤَدَّاةَ فِي وَقْتِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَاَلَّتِي صَارَتْ بِمَحَلِّ الْقَضَاءِ لابد لَهَا مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا أُدِّيَتْ فِي مَحَلِّهَا تَنَاوَلَتْهَا نِيَّةُ أَصْلِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا جُعِلَتْ مُتَنَاوِلَةً كُلَّ فِعْلٍ فِي مَحَلِّهِ الْمُتَعَيِّنِ لَهُ شَرْعًا، فَأَمَّا مَا وُجِدَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ النِّيَّةُ الْحَاصِلَةُ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ كَانَ تَرْكُ الْبِدْعَةِ وَاجِبًا وَتَحْصِيلُ الْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ السُّنَّةِ وَمَتَى دَار بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالْفَرِيضَةِ كَانَ التَّحْصِيلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْبِدْعَةِ وَاجِبٌ وَالْفَرْضُ أَهَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْفَرْضِ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَتَحْصِيلَ الْبِدْعَةِ لَا يُفْسِدُهَا فَكَانَ تَحْصِيلُ الْفَرْضِ أَوْلَى.
وَمِنْهَا أَنَّ الْمَتْرُوكَ مَتَى دَارَ بَيْنَ سَجْدَةٍ وَرَكْعَةٍ يَأْتِي بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَأْتِي بِالرَّكْعَةِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَأْتِي بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ سَجْدَةً فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَيَتَشَهَّدُ وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ رَكْعَةً لَا يَضُرُّهُ تَحْصِيلُ زِيَادَةِ السَّجْدَةِ وَإِنَّمَا لَا يَبْدَأُ بِالرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ لَوْ كَانَ هُوَ الرَّكْعَةَ جَازَتْ صَلَاتُهُ.
وَلَوْ كَانَ هُوَ السَّجْدَةَ فَإِذَا أَتَى بِالرَّكْعَةِ فَقَدْ زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ قَبْلَ تَمَامِ الصَّلَاةِ فَانْعَقَدَتْ الرَّكْعَةُ تَطَوُّعًا فَصَارَ مُنْتَقِلًا مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ قَبْلَ تَمَامِ الْفَرْضِ فَيَفْسُدُ فَرْضُهُ وَإِذَا سَجَدَ قَعَدَ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ لَوْ كَانَ سَجْدَةً تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَافْتُرِضَتْ الْقَعْدَةُ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَةً قَبْلَ التَّشَهُّدِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْتَقِلًا مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ قَبْلَ تَمَامِ الْفَرْضِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ هُوَ الرَّكْعَةَ لَا يَضُرُّهُ تَحْصِيلُ السَّجْدَةِ وَالْقَعْدَةِ وَقَدْ دَارَتْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْبِدْعَةِ فَكَانَ التَّحْصِيلُ أَوْلَى وَمِنْهَا أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْفَرِيضَةِ بِأَنْ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا أَوْ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ زِيَادَةَ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ مُفْسِدَةٌ فَزِيَادَةُ الرَّكْعَةِ الْكَامِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ يُفْسِدُهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفِقْهِ.
وَمِنْهَا أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَكُونُ رُكْنًا وَتَرْكُهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الثَّلَاثِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فَرِيضَةٌ لِمَا مَرَّ أَيْضًا.
وَمِنْهَا أَنَّ سَلَامَ السَّهْوِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَأَنَّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ تَجِبُ بِتَأْخِيرِ رُكْنٍ عَنْ مَحَلِّهِ وَتُؤَدَّى بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَنَا وَقَدْ مَرَّ هَذَا أَيْضًا.
وَمِنْهَا أَنْ يُنْظَرَ فِي تَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ إلَى الْمُؤَدَّيَاتِ مِنْ السَّجَدَاتِ وَإِلَى الْمَتْرُوكَاتِ فَتُخَرَّجُ عَلَى الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَعِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا يُخَيَّرُ لِاسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا عَرَفْتَ الْأُصُولَ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ: إذَا تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فَالْمَتْرُوكُ مِنْهُ إمَّا أَنْ كَانَ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَإِمَّا أَنْ كَانَ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَإِمَّا أَنْ كَانَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَالْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ زَادَ عَلَى رَكَعَاتِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ أَوْ لَمْ يَزِدْ فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْهُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْهَا فَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً ثُمَّ تَذَكَّرَهَا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ بَعْدَمَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ سَجَدَهَا سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا وَلَمْ تَفْسُدْ الصَّلَاةُ بِفَوَاتِهَا فلابد مِنْ قَضَائِهَا؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ وَلَوْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَالْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ إذَا فَاتَتْ عَنْهُمَا تُقْضَى فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ وَلَوْ لَمْ تُقْضَ حَتَّى خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فلابد مِنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ لِوُجُودِ الْمَحَلِّ لِقِيَامِ التَّحْرِيمَةِ كَذَا هَذَا، وَيَنْوِي الْقَضَاءَ عِنْدَ تَحْصِيلِ هَذِهِ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِدُخُولِهَا تَحْتَ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَا تَحْتَاجُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ أَصْلِ الصَّلَاةِ تَنَاوَلَتْهُ فَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ يَأْتِي بِالنِّيَّةِ احْتِيَاطًا وَقِيلَ يَنْوِي مَا عَلَيْهِ مِنْ السَّجْدَةِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سَجْدَةٍ مَتْرُوكَةٍ يَسْجُدُهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَيَتَشَهَّدُ عَقِيبَ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فلابد مِنْ التَّشَهُّدِ.
وَلَوْ تَرَكَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ فَرْضٌ فَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَتَيْنِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُهُمَا وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ تُقَيَّدُ كُلُّ رَكْعَةٍ بِسَجْدَةٍ وَتَوَقَّفَ تَمَامُهَا عَلَى سَجْدَةِ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ وَإِذَا تَرَكَهُمَا مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَيُتِمُّهَا بِسَجْدَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْأَدَاءِ لِوُجُودِهِمَا فِي مَحَلِّهِمَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ صَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَقَعَ مُكَرَّرًا فلابد وَأَنْ يَلْغُوَ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ عَقِيبَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَلْتَحِقَانِ بِأَحَدِ الرُّكُوعَيْنِ لَكِنَّهُمَا يَلْتَحِقَانِ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالْآخِرِ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ الرُّكُوعُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ يَلْتَحِقَانِ بِالرُّكُوعِ الثَّانِي وَيَلْغُو الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ أَوَانِهِ إذْ أَوَانُهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَالرُّكُوعُ الثَّانِي وَقَعَ فِي أَوَانِهِ فَكَانَ مُعْتَبَرًا حَتَّى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ كَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ كُلِّهَا.
وَلَوْ أَدْرَكَ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَإِنْ كَانَ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالثَّانِي كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ بَابِ السَّهْوِ، وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ الْمُعْتَبَرِ هُوَ الْأَوَّلُ، وَيُضَمُّ السَّجْدَتَانِ لِلسَّهْوِ وَيَلْغُو الثَّانِي، وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَرَكَ إحْدَى السَّجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَالْأُخْرَى مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَتِمُّ بِسَجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ تَقَيَّدَتْ بِالسَّجْدَةِ فَيَلْتَحِقُ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةٌ فَتَتِمُّ صَلَاتُهُ وَتَكُونُ السَّجْدَتَانِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لِفَوَاتِهِمَا عَنْ مَحَلِّهِمَا وَإِنْ كَانَ تَرَكَهُمَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا السَّجْدَتَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَقَدْ حَصَلَتْ السَّجْدَتَانِ عَلَى وَجْهِ الْأَدَاءِ لِحُصُولِهِمَا بَعْدَهُمَا عَقِيبَ هَذِهِ الرَّكْعَةِ فَيُحْكَمُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ وَلَا رَكْعَةَ عَلَيْهِ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَ تَرَكَهُمَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ مَا وُجِدَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ عَقِيبَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَلْتَحِقَانِ بِالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الرُّكُوعُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَى رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ وَحَصَلَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ مُكَرَّرًا فَلَمْ يَكُنْ بِهِمَا عِبْرَةٌ فَتَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ وَعَلَى رِوَايَةِ بَابِ السَّهْوِ تَنْصَرِفُ السَّجْدَتَانِ إلَى الرُّكُوعِ الثَّانِي لِقُرْبِهِمَا مِنْهُ فِعْلًا عَلَى مَا مَرَّ وَيَرْتَفِضُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ وَالْقِيَامُ قَبْلَهُ وَيَلْغُوَانِ، فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَلْزَمُهُ رَكْعَةٌ فَفِي حَالَتَيْنِ يَجِبُ سَجْدَتَانِ وَفِي حَالَةٍ رَكْعَةٌ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْكُلِّ وَيَبْدَأُ بِالسَّجْدَتَيْنِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ سَجْدَتَيْنِ تَتِمُّ صَلَاتُهُ بِهِمَا وَبِالتَّشَهُّدِ بَعْدَهُمَا فَالرَّكْعَةُ بَعْدَ تَمَامِ الْفَرْضِ لَا تَضُرُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ رَكْعَةً فَزِيَادَةُ السَّجْدَتَيْنِ وَقَعْدَةٍ لَا تَضُرُّ أَيْضًا.
وَلَوْ بَدَأَ بِالرَّكْعَةِ قَبْلَ السَّجْدَتَيْنِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ رَكْعَةٌ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِهِمَا وَإِنْ كَانَ سَجْدَتَانِ فَزِيَادَةُ الرَّكْعَةِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرْضِ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِمَا مَرَّ وَيَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ آخِرُ صَلَاتِهِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِالسَّجْدَتَيْنِ الْقَضَاءَ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُتَرَدِّدًا أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ.
وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يَعْمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيُصَلِّي رَكْعَةً؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى أَقَلُّ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فَنَقُولُ لَا يَتَقَيَّدُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ تَكْمِيلًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَلَا يَتَشَهَّدُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ بِتَحْصِيلِ رَكْعَةٍ لَا يَتَوَهَّمُ تَمَامَ الصَّلَاةِ لِيَتَشَهَّدَ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِالسَّجْدَةِ قَضَاءَ الْمَتْرُوكَةِ لِجَوَازِ أَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِسَجْدَةٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ بِهَذِهِ السَّجْدَةِ الْقَضَاءَ تَتَقَيَّدُ بِهَا الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا قَامَ بَعْدَهَا وَصَلَّى رَكْعَةً كَانَ مُتَنَفِّلًا بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِذَا نَوَى بِهَا الْقَضَاءَ الْتَحَقَتْ بِمَحَلِّهَا وَانْتَقَضَ الرُّكُوعُ الْمُؤَدَّى بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَلِهَذَا يَنْوِي بِهَا الْقَضَاءَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مَاذَا يَفْعَلُ، وَقِيلَ إنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَامَ وَرَكَعَ مَرَّتَيْنِ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِيَلْتَحِقَ بِأَحَدِ الرُّكُوعَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَيَلْغُو الرُّكُوعُ الْآخَرُ وَقِيَامُهُ وَيَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ صَلَّى رَكْعَةً تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَإِنْ تَرَكَ مِنْ الظُّهْرِ أَوْ مِنْ الْعَصْرِ أَوْ مِنْ الْعِشَاءِ سَجْدَةً فَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَيَتَشَهَّدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَجْرِ.
وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَيَّتُهُمَا كَانَتَا فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُمَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَوْ تَرَكَهُمَا مِنْ إحْدَى الثَّلَاثِ الْأُوَلِ فَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ؛ لِأَنَّ قِيَامًا وَرُكُوعًا ارْتَفَضَا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِذَا كَانَ يَجِبُ فِي حَالٍ رَكْعَةٌ وَفِي حَالٍ سَجْدَتَانِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا، وَإِذَا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يَقْعُدُ لِجَوَازِ أَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فَرْضٌ وَيَنْوِي بِالسَّجْدَتَيْنِ مَا عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنَّ تَرْكَهُمَا مِنْ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ الْأَخِيرَةِ أَوْ مِنْ رَكْعَةٍ قَبْلَهَا وَيَبْدَأُ بِالسَّجْدَتَيْنِ احْتِيَاطًا لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَةً؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ فَيُقَيِّدُ كُلَّ رَكْعَةٍ بِسَجْدَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ إحْدَى الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ فَيُتِمُّ الرَّابِعَةَ بِسَجْدَتَيْنِ وَيَلْتَحِقُ سَجْدَةٌ بِمَحَلِّهَا وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَسَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَيَلْغُو قِيَامٌ وَرُكُوعٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ لِتَنْضَمَّ إلَى تِلْكَ الرَّكْعَةِ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا سَجْدَةٌ وَرَكْعَةٌ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ فِي حَالَتَيْنِ وَرَكْعَةٌ فِي حَالٍ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْكُلِّ وَيُقَدِّمُ السَّجَدَاتِ عَلَى الرَّكْعَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَيَنْوِي بِالسَّجَدَاتِ الثَّلَاثِ مَا عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ وَيَجْلِسُ بَيْنَ السَّجَدَاتِ وَالرَّكْعَةِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ.
وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ.
وَلَوْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ كُلَّهَا مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ مِنْهَا وَسَجْدَتَيْنِ فِي الرَّابِعَةِ فَقَدْ لَغَا قِيَامَانِ وَرُكُوعَانِ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ، وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ مِنْ إحْدَى الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ وَسَجْدَتَانِ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا فَيَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ السَّجَدَاتِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا لَا يَضُرُّ، وَتَقْدِيمُ الرَّكْعَتَيْنِ يُفْسِدُ الْفَرْضَ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالصَّلَاةُ إذَا فَسَدَتْ مِنْ وَجْهٍ يُحْكَمُ بِفَسَادِهَا احْتِيَاطًا لِمَا مَرَّ وَيَنْوِي فِي ثَلَاثِ سَجَدَاتٍ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ثِنْتَيْنِ فِيهَا قَضَاءٌ لَا مَحَالَةَ وَالرَّابِعَةُ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ كَانَتْ زَائِدَةً أَوْ مِنْ الرَّابِعَةِ فَلَا يَنْوِي فِيهَا وَالثَّالِثَةُ مُحْتَمَلَةٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِنْ الرَّابِعَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِنْ إحْدَى الثَّلَاثِ الْأُوَلِ فَيَنْوِي احْتِيَاطًا وَإِذَا سَجَدَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ يَتَشَهَّدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ آخِرُ صَلَاتِهِ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فَرِيضَةٌ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَتَشَهَّدُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ عَلَيْهِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ فَيَكُونُ مَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ آخِرَ صَلَاتِهِ فلابد مِنْ الْقَعْدَةِ فَيَقْعُدُ، ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَيَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ، وَإِنْ تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَهَاهُنَا يُعْتَبَرُ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ فَهَذَا رَجُلٌ سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَإِنْ سَجَدَهَا فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ تَقَيَّدَتْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ وَرَكْعَةٌ.
وَلَوْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَسَجْدَةً فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ فَفِي حَالٍ عَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ وَرَكْعَةٌ وَفِي حَالٍ رَكْعَتَانِ وَسَجْدَةٌ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا فَيَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ السَّجَدَاتِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِذَا سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَهَلْ يَقْعُدُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ؟ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَقْعُدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَإِذَا سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَقَدْ الْتَحَقَتْ بِكُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةٌ فَتَمَّتْ لَهُ الثَّلَاثُ، وَالْقَعْدَةُ عَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ بِدْعَةٌ.
وَلَوْ كَانَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَسَجْدَةً فِي رَكْعَةٍ فَإِذَا سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَقَدْ تَمَّتْ لَهُ رَكْعَتَانِ وَسَجْدَتَانِ إلَّا أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ لَغَتَا، وَالْقَعْدَةُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا سُنَّةٌ فَدَارَتْ الْقَعْدَةُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَكَانَ تَرْكُ الْبِدْعَةِ أَوْلَى، وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَكِنَّ تَرْكَ الْبِدْعَةِ فَرْضٌ وَهُوَ أَهَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ فَكَانَ تَرْكُ الْبِدْعَةِ أَوْلَى، وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ يَقْعُدُ بَعْدَ السَّجَدَاتِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ لَمَّا دَارَتْ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَتَرْكِ الْبِدْعَةِ كَانَ تَحْصِيلُ الْوَاجِبِ مُسْتَحَبًّا فَقَالُوا: يَقْعُدُ هاهنا قَعْدَةً مُسْتَحَبَّةً لَا مُسْتَحَقَّةً؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُلْحَقٌ بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ رَابِعَتُهُ مِنْ وَجْهٍ بِأَنْ كَانَ أَدَّى السَّجَدَاتِ الثَّلَاثِ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَإِذَا سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ تَمَّتْ لَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً فَهَذِهِ رَابِعَتُهُ، وَالْقَعْدَةُ بَعْدَهَا فَرْضٌ وَهِيَ ثَالِثَتُهُ مِنْ وَجْهٍ بِأَنْ أَدَّى السَّجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ، فَإِذَا سَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ الْتَحَقَتْ سَجْدَةٌ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا سَجْدَةً وَتَمَّتْ لَهُ رَكْعَتَانِ فَكَانَتْ هَذِهِ ثَالِثَتَهُ، وَالْقَعْدَةُ بَعْدَهَا بِدْعَةٌ فَدَارَتْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْبِدْعَةِ فَيُغَلَّبُ الْفَرْضُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْبِدْعَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ تَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْفَرْضِ لِمَا فِي تَرْكِ الْفَرْضِ مِنْ ضَرَرِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، ثُمَّ بَعْدَ التَّشَهُّدِ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ.
وَلَوْ تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ مَا سَجَدَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ فَإِنْ سَجَدَهُمَا فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَإِنْ سَجَدَهُمَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ لِتَتِمَّ الرَّكْعَتَانِ وَرَكْعَتَانِ أُخْرَاوَانِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا وَيُقَدِّمُ السَّجْدَتَيْنِ؛ لِمَا قُلْنَا، وَبَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ هَلْ يَسْجُدُ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ أَنَّهَا بَعْدَ رَكْعَةٍ أَمْ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ كَانَتْ الْقَعْدَةُ بَعْدَ رَكْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ سَجَدَهُمَا فِي رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ الْقَعْدَةُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ رَكْعَةٍ بِدْعَةً، وَبَعْدَهُمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ سُنَّةٌ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَاجِبَةٌ، وَكَذَا هَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا صَلَّى بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ رَكْعَةً وَاحِدَةً لِكَوْنِ الرَّكْعَةِ دَائِرَةً بَيْنَ كَوْنِهَا ثَانِيَةً وَبَيْنَ كَوْنِهَا ثَالِثَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ كَانَتْ هَذِهِ الرَّكْعَةُ ثَانِيَةً، وَإِنْ كَانَ سَجَدَهُمَا فِي رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ هَذِهِ الرَّكْعَةُ ثَالِثَةً، وَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى يَجْلِسُ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِهَا دَائِرَةً بَيْنَ كَوْنِهَا رَابِعَةً وَبَيْنَ كَوْنِهَا ثَالِثَةً فَافْهَمْ.
وَلَوْ تَرَكَ سَبْعَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ مَا سَجَدَ إلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً فَلَمْ تَتَقَيَّدْ إلَّا رَكْعَةٌ فَعَلَيْهِ سَجْدَةُ لِتَتِمَّ هَذِهِ الرَّكْعَةُ وَثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِتَتِمَّ الْأَرْبَعُ.
وَلَوْ تَرَكَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَإِذَا أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ يَلْتَحِقَانِ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ وَيَرْتَفِضُ الْبَاقِي عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَصِيرُ مُصَلِّيًا رَكْعَةً فَيَكُونُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِتَتِمَّ الْأَرْبَعُ.
وَلَوْ تَرَكَ مِنْ الْمَغْرِبِ سَجْدَةً سَجَدَهَا لَا غَيْرُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً لِمَا بَيَّنَّا وَيَقْعُدُ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ لِجَوَازِ أَنَّ فَرْضَهُ تَمَّ بِأَنْ تَرَكَهَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةُ تَكُونُ تَطَوُّعًا فلابد مِنْ الْقُعُودِ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَإِذَا سَجَدَهَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَيَتَشَهَّدُ، وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ، وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَرَكْعَةٌ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْكُلِّ.
وَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَالْعِبْرَةُ فِي هَذَا لِلْمُؤَدَّاةِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ فَهَذَا رَجُلٌ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَإِنْ سَجَدَهُمَا فِي رَكْعَةٍ فَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَاوَيْنِ، وَإِنْ سَجَدَهُمَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ تَقَيَّدَ بِكُلِّ سَجْدَةٍ رَكْعَةٌ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ لِيَتِمَّا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً، فَفِي حَالٍ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ وَفِي حَالٍ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَةٌ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
وَبَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ الْجِلْسَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْعُدُ عَلَى مَا مَرَّ وَبَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ يَجْلِسُ لَا مَحَالَةَ لِجَوَازِ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ، وَإِنْ تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِهَذِهِ السَّجْدَةِ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ وَقَدْ كَانَ قَيَّدَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ لَالْتَحَقَتْ هَذِهِ السَّجْدَةُ بِالرُّكُوعِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَتَقَيَّدُ لَهُ رَكْعَتَانِ يَتَوَقَّفَانِ عَلَى سَجْدَتَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَدَائِهَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَتِمُّ بِهِمَا الرَّكْعَتَانِ الْمُقَيَّدَتَانِ فَسَدَتْ فَرْضِيَّةُ صَلَاتِهِ، فَإِذَا نَوَى بِهَذِهِ السَّجْدَةِ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي تَقَيَّدَتْ بِتِلْكَ السَّجْدَةِ تَمَّتْ بِهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَقْعُدُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ ثَانِيَتُهُ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَعْدَةِ شُبْهَةُ الْبِدْعَةِ.
وَلَوْ تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِتَلْتَحِقَا بِرُكُوعٍ مِنْهَا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ لِعَدَمِ شُبْهَةِ الْبِدْعَةِ ثُمَّ أُخْرَى وَيَقْعُد فَرْضًا هَذَا إذَا كَانَ لَمْ يَزِدْ عَلَى عَدَدِ رَكَعَاتِ صَلَاتِهِ فَأَمَّا إذَا زَادَ بِأَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ وَثَلَاثًا، وَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعًا لَمْ تَفْسُدْ.
وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَتَى دَارَتْ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ نَحْكُمُ بِفَسَادِهَا احْتِيَاطًا، وَإِنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ وَقَيَّدَ النَّفَلَ بِالسَّجْدَةِ قَبْلَ إتْمَامِ الْفَرْضِ بِأَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ أَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ دُخُولِهِ فِي النَّفْلِ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ رُكْنٌ فَيَفْسُدُ فَرْضُهُ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ قَبْلَ تَمَامِ الْفَرْضِ، وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى رَكَعَاتِ الْفَرْضِ رَكْعَةً يَضُمُّ الرَّكْعَةَ الزَّائِدَةَ إلَى الرَّكَعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ وَيَنْظُرُ إلَى عَدَدِهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى سَجَدَاتِ عَدَدِهَا فَتَكُونُ سَجَدَاتُ الْفَجْرِ بِالْمَزِيدِ سِتًّا؛ لِأَنَّهَا مَعَ الرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَلِكُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَانِ وَسَجَدَاتُ الظُّهْرِ بِالْمَزِيدِ عَشْرًا وَسَجَدَاتُ الْمَغْرِبِ بِالْمَزِيدِ ثَمَانِيًا، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ أَوْ النِّصْفَ يُحْكَمُ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِسَجْدَةٍ فَتَتَقَيَّدُ رَكَعَاتُ الْفَرْضِ كُلُّهَا، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهَا إلَى الرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ وَهِيَ تَطَوُّعٌ قَبْلَ أَدَاءِ تِلْكَ السَّجَدَاتِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ يُعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ الْمَفْرُوضَ مَعَ الزَّائِدِ لَمْ يَتَقَيَّدْ الْكُلُّ فَإِنَّ الْفَجْرَ مَعَ الزَّائِدِ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِسَجْدَتَيْنِ بَلْ لَوْ تَقَيَّدَ تَقَيَّدَ رَكْعَتَانِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتَقَيَّدَ بِسَجْدَتَيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ الِانْتِقَالُ إلَى النَّفْلِ بَعْدُ، وَكَذَا خَمْسُ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتَقَيَّدَ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَلَا الْمَغْرِبُ مَعَ الزِّيَادَةِ بِثَلَاثِ سَجَدَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِانْتِقَالُ إلَى النَّفْلِ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَفْسُدْ فَتَكُونُ الْمُؤَدَّيَاتُ أَقَلَّ لَا مَحَالَةَ، فَيَنْظُرُ إلَى الْمُؤَدَّيَاتِ فِي ذَلِكَ الْفَرْضِ ثُمَّ يُتَمِّمُ الْفَرْضَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِذَا عَرَفْتِ هَذِهِ الْأُصُولَ فَنَقُولُ: إذَا صَلَّى الْغَدَاةَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ فَقَدْ انْعَقَدَتْ نَفْلًا فَصَارَ خَارِجًا مِنْ الْفَرْضِ ضَرُورَةَ دُخُولِهِ فِي النَّفْلِ فَخَرَجَ مِنْ الْفَرْضِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ سَجْدَةٌ فَفَسَدَ فَرْضُهُ، كَمَا لَوْ صَلَّى الْفَجْرَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى قَامَ وَذَهَبَ، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ الثَّالِثَةِ لَا تَفْسُدُ فَدَارَتْ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ فَنَحْكُمُ بِالْفَسَادِ، فَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ إنْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِتَقَيُّدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ بِسَجْدَةٍ، ثُمَّ دَخَلَ فِي النَّفْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفَرْضِ، وَكَذَا إنْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَيَيْنِ يَكْفِي لِفَسَادِ الْفَرْضِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ تَرَكَهُمَا مِنْ الثَّالِثَةِ لَا يَفْسُدُ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كُلُّ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْنِ، فَإِذًا فِي حَالَيْنِ تَفْسُدُ وَفِي حَالٍ تَجُوزُ.
وَلَوْ كَانَتْ تَجُوزُ فِي حَالَيْنِ وَتَفْسُدُ فِي حَالٍ لَلَزِمَ الْفَسَادُ فَهاَهُنَا أَوْلَى، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْقَوْلَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحْتَمِلُ أَحَدُهُمَا الْجَوَازَ وَالْآخَرُ الْفَسَادَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَنَحْكُمُ بِالْفَسَادِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ حَقَّقَ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ فِي قَوْلٍ: تَفْسُدُ لِمَا قُلْنَا، وَفِي قَوْلٍ: لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ الْمَتْرُوكَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا تَرَكَ سَجْدَةً وَاحِدَةً قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ الثَّالِثَةِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ تَفْسُدُ لِمَا قُلْنَا.
وَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ فَهَذَا الرَّجُلُ مَا سَجَدَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ سَوَاءٌ سَجَدَهُمَا فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ خَارِجًا مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَمْ يَصِرْ مُنْتَقِلًا إلَى النَّفْلِ بَعْدُ فَلَا يَفْسُدُ فَرْضُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ وَيَتَشَهَّدَ وَلَا يُسَلِّمَ ثُمَّ يَقُومَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَانَ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ كَامِلَةٌ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْكُلِّ احْتِيَاطًا وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ أَوَّلًا وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ صَلَّى الْغَدَاةَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَتَيْنِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَا صَلَّى إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً فَيَسْجُدُ سَجْدَةً أُخْرَى لِتَتِمَّ الرَّكْعَةُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى كَمَا إذَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَكَ مِنْهَا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَالْجَوَابُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ شَيْئًا وَإِنَّمَا رَكَعَ ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ فَيَأْتِي بِسَجْدَتَيْنِ حَتَّى يَصِيرَ لَهُ رَكْعَةٌ كَامِلَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى، كَمَا إذَا صَلَّى الْفَجْرَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَك مِنْهَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ أَوْ الْعِشَاءَ خَمْسًا وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً ثُمَّ قَامَ وَذَهَبَ.
وَلَوْ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَتَيْنِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إنْ تَرَكَهَا مِنْ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً فَتَرَكَ ثَلَاثًا مِنْ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعًا مِنْ الْأَرْبَعِ وَخَمْسًا مِنْ خَمْسٍ وَذَلِكَ جِهَةُ الْفَسَادِ.
وَلَوْ تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ هاهنا أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ مَا سَجَدَ إلَّا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فَيَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ أُخَرَ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَكُونُ كَمَا إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ مِنْهَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَالْجَوَابُ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا ذَكَرْنَا هُنَالِكَ كَذَا هاهنا وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ مِنْهَا سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا أَوْ تِسْعًا أَوْ عَشْرًا فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا صَلَّى أَرْبَعًا وَتَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ أَوْ سَجْدَتَيْنِ أَوْ سَجْدَةً أَوْ لَمْ يَسْجُدْ رَأْسًا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ وَلَا الْمَعْنَى وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ كُلُّهُ وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ إذَا صَلَّاهَا خَمْسًا وَتَرَكَ مِنْهَا خَمْسَ سَجَدَاتٍ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا خَمْسَ سَجَدَاتٍ أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا لَا تَفْسُدُ وَيُنْظَرُ إلَى الْمُؤَدَّى وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَتَرَكَ مِنْهَا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا وَهُنَاكَ يُنْظَرُ إلَى الْمُؤَدَّى مِنْ السَّجَدَاتِ فَيَضُمُّ إلَى كُلِّ سَجْدَةٍ أَدَّاهَا سَجْدَةً ثُمَّ يُتِمُّ صَلَاتَهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ وَكَذَا هَاهُنَا.
وَلَوْ كَبَّرَ رَجُلٌ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ فَصَلَّى إمَامُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدَّمَ النَّائِمَ بَعْدَ مَا انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ حَتَّى لَا يَتْبَعُوهُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَةً وَسَجْدَةً، ثُمَّ يَسْجُدُ فَيَتْبَعُهُ الْقَوْمُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَا يُصَلِّي الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ وَالْإِمَامُ مُسِيءٌ بِتَقْدِيمِهِ النَّائِمَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنَمْ وَلَكِنَّهُ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَقَدَّمَهُ فَهَذَا حُكْمُهُ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْمَامِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِقَضَاءِ السَّجَدَاتِ كَمَا وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الْأَوَّلِ لَصَارَ مُرْتَكِبًا أَمْرًا مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ وَالْمُدْرِكُ يَأْتِي بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَإِنْ ابْتَدَأَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَقَدْ أَلْجَأَ الْقَوْمَ إلَى زِيَادَةِ مُكْثٍ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُشِيرَ لِئَلَّا يَتْبَعُوهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَعَ سَجْدَةٍ، فَإِذَا سَجَدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ يُتَابِعُونَهُ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا الرَّكَعَاتِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا ثَانِيًا فَلَمَّا كَانَ تَقَدُّمُهُ يُؤَدِّي إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا أَنْ يَتَقَدَّمَ هُوَ.
وَلَوْ تَقَدَّمَ مَعَ هَذَا وَاشْتَغَلَ بِالْمَتْرُوكَاتِ أَوَّلًا وَتَابَعَهُ الْقَوْمُ جَازَ لِكَوْنِهِ خَلِيفَةَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ السَّجَدَاتُ لَا تُحْتَسَبُ مِنْ صَلَاتِهِ لَا يَصِيرُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ مِنْهُ نَفْلًا بَلْ هُوَ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ يُؤَدِّي الْفَرْضَ نَظِيرَ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إمَامًا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتَئِذٍ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُتِمُّ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَتَانِ غَيْرَ مَحْسُوبَتَيْنِ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقَ بِهَا بِسَجْدَتَيْهَا وَمَعَ ذَلِكَ جَازَتْ إمَامَتُهُ؛ لِأَنَّ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضَانِ عَلَى الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَلَوْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيُشِيرُ إلَى الْقَوْمِ لِئَلَّا يَتْبَعُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا هَذِهِ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ فَإِذَا سَجَدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ تَابَعَهُ الْقَوْمُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْجُدُوا هَذِهِ السَّجْدَةَ هَكَذَا فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا.
وَإِذَا فَعَلَ هَكَذَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْكِتَابِ بَعْدَ مَا حَكَى جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُصَلِّي الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَالْقَوْمُ لَا يُتَابِعُونَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّجْدَةِ تَابَعُوهُ، حَكَى مُحَمَّدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ أَمَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَلِمَاذَا؟ قُلْتُ: إنَّ الْإِمَامَ مَرَّةً يَصِيرُ إمَامًا لِلْقَوْمِ وَغَيْرَ إمَامٍ مَرَّةً وَهَذَا قَبِيحٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا رَكْعَةً اُسْتُحْسِنَتْ فِي رَكْعَةٍ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ سُؤَالَهُ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ جَعَلَ حِكَايَةَ هَذَا السُّؤَالِ مَعَ تَرْكِ الْجَوَابِ إخْبَارًا عَنْ الرُّجُوعِ، وَقَالَ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَاعْتَمَدَ عَلَى مَا احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَصِيرُ إمَامًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُؤْتَمًّا تَابِعًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ إمَامًا مَتْبُوعًا مُنَافَاةٌ، وَالصَّلَاةُ فِي نَفْسِهَا لَا تَتَجَزَّأُ حُكْمًا، فَمَنْ كَانَ فِي بَعْضٍ تَابِعًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَتْبُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ تَابِعًا فِي شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ صَيْرُورَتِهِ تَابِعًا فِي الْكُلِّ لِضَرُورَةِ عَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَكَذَا صَيْرُورَتُهُ مَتْبُوعًا فِي بَعْضٍ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ صَيْرُورَتِهِ مَتْبُوعًا فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ، فَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِهَا حِسًّا تَابِعًا وَفِي بَعْضِهَا مَتْبُوعًا كَأَنَّهُ فِي الْكُلِّ تَابِعٌ وَفِي الْكُلِّ مَتْبُوعٌ حُكْمًا؛ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ حُكْمًا، وَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ بِالنَّصِّ فَيَتَقَدَّرُ الْجَوَازُ بِقَدْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ، وَالنَّصُّ مَا وَرَدَ فِيمَا يَصِيرُ إِمَامًا مِرَارًا ثُمَّ يَصِيرُ مُؤْتَمًّا وَهَذَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يُؤَدِّيهَا مُؤْتَمًّا، فَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّجْدَةِ الْمَتْرُوكَةِ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ يَصِيرُ إمَامًا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلَائِلُ.
وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ: اسْتَحْسَنْتُ هَذَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً لَا غَيْرُ مِنْ رَكْعَةٍ فَاسْتَخْلَفَ هَذَا النَّائِمَ وَابْتَدَأَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَالْقَوْمُ يَتَرَبَّصُونَ بُلُوغَهُ تِلْكَ السَّجْدَةَ فَإِذَا سَجَدَهَا سَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ بَعْدَهُ يَصِيرُ مُؤْتَمًّا فَفِي هَذَا الْقِيَاسِ أَنْ تَفْسُدَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إمَامًا مَرَّةً وَمُؤْتَمًّا مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي الْجُمْلَةِ جَائِزٌ فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَقَدَّمَ مَسْبُوقًا يَجُوزُ وَقَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ كَانَ مُؤْتَمًّا وَبَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ إلَى تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ كَانَ إمَامًا ثُمَّ إذَا تَأَخَّرَ وَقَدَّمَ غَيْرَهُ حَتَّى سَلَّمَ وَقَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ عَادَ مُؤْتَمًّا مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ، أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَيَصِيرُ مُؤْتَمًّا وَإِمَامًا مِرَارًا إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا جَوَّزُوا وَقَالُوا: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا يُجْعَلُ هَذَا رُجُوعًا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ عَلَى الرُّجُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ إنْ ثَبَتَ نَصًّا لِكَوْنِهِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَى إصْلَاحِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْحَاجَةُ هاهنا مُتَحَقِّقَةٌ فَيَجُوزُ وَقَوْلُهُ إنَّ بَيْنَ كَوْنِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ تَابِعًا وَمَتْبُوعًا مُنَافَاةٌ قُلْنَا: فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مُسَلَّمٌ أَمَّا فِي شَيْئَيْنِ فَلَا وَالصَّلَاةُ أَفْعَالٌ مُتَغَايِرَةٌ حَقِيقَةً فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ تَابِعًا فِي بَعْضِهَا وَمَتْبُوعًا فِي بَعْضٍ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ مُتَجَزِّئَةٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ مُتَغَايِرَةٌ إلَّا فِي حَقِّ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً فَارْتِفَاعُهُ يَكُونُ بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ، وَفِي حَقِّ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ قَامَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ فَغَيَّرَهَا فَلَمْ تَبْقَ مُتَبَعِّضَةً مُتَجَزِّئَةً فِي حَقِّهِمَا، فَأَمَّا فِي حَقِّ التَّبَعِيَّةِ وَالْمَتْبُوعِيَّةِ فِي غَيْرِ أَوَانِ الْحَاجَةِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَفِي أَوَانِ الْحَاجَةِ لَا إجْمَاعَ، وَالْحَقَائِقُ تَتَبَدَّلُ بِقَدْرِ الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلتَّغَيُّرِ وَالتَّبَدُّلِ وَلَا دَلِيلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ حَيْثُ جَوَّزَ الِاسْتِخْلَافَ فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ عِنْدَ الْحَاجَةِ جَائِزٌ، وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ مَرَّةً تَابِعًا وَمَرَّةً مَتْبُوعًا غَيْرُ مَانِعٍ، وَيُنْظَرُ إلَى الْحَاجَةِ لَا إلَى وُرُودِ الشَّرْعِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْحَاجَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي اسْتَحْسَنَ مُحَمَّدٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ الْخَاصُّ؟ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ الْخَاصُّ فِيهِ، وَإِنَّمَا جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَغْيِيرِهَا، وَمَنْ جَعَلَ وُرُودَ الشَّرْعِ بِالْجَوَازِ لِذِي الْحَاجَةِ وُرُودًا فِي كُلِّ مَحِلٍّ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بِالْأَئِمَّةِ الْخَمْسَةِ وَمَعَ ذَلِكَ جَازَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَكَذَا الْوَاحِدُ إذَا ائْتَمَّ فَسَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ تَعَيَّنَ هَذَا الْوَاحِدُ لِلْإِمَامَةِ فَإِذَا جَاءَ الْأَوَّلُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ، ثُمَّ لَوْ سَبَقَ الثَّانِيَ حَدَثٌ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِلْإِمَامَةِ، ثُمَّ إذَا جَاءَ هَذَا الثَّانِي وَسَبَقَ الْأَوَّلَ حَدَثٌ تَعَيَّنَ هَذَا الثَّانِي لِلْإِمَامَةِ هَكَذَا مِرَارًا، لَكِنْ لَمَّا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ جُوِّزَ وَجُعِلَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَارِدًا فِي كُلِّ مَحَلٍّ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ فِيهِ فَكَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.